عناية جابر
في «أوكي مع السلامة» للروائي والشاعر رشيد الضعيف، وصادرة عن دار «رياض الريس للنشر» سلاسة السرد وفطنته،
حين يقترب الضعيف في اغلب اعماله من العلاقات الحميمة ينبش فيها أدق أسرارها، من دون «وعظية» ما او تنظير. لغة بسيطة، سهلة ويومية تناسب روح العصر، تسمح لقارئها بالتلصص على حيوات بقيت أسرارها منغلقة على القارئ العربي، تاركة له حرية انعكاسها عليه، وفهمها على طريقته. رواية رشيقة تأخذك الى نهايتها منذ سطرها الاول. مع رشيد الضعيف عن جديده الروائي السنوي «أوكي مع السلامة» في توقيته النشط والثابت وغير المفاجئ كان هذا الحوار:
هل الجنس بحضوره المكثف في رواياتك، سواء بلغة تراثية كما في «معبد في بغداد» او حديثة كما في «تصطفل ميريل ستريب» وجديدك «أوكي مع السلامة» هو مفتاحك الى قضايا اجتماعية اخرى؟
ان الدماء التي تجري اليوم على امتداد الوطن العربي وآسيا وافريقيا، هي بسبب هذا التصادم بين القيم الاخلاقية الوافدة إلينا، وبين القيم الموروثة. الجنس سلوك اخلاقي، بالاحرى الجنس سلوك إنساني محكوم بقيم اخلاقية. انتشار قيم الحريات الفردية والتي تطال المرأة بشكل خاص يخلق تصادما في كل منّا، وصراعا، وبخاصة عند الرجال في مجتمعاتنا.
هذه الامور، تتضح في الفراش. تكون اكثر وضوحا في الفراش. حيث يتعرى الإنسان من كل شيء إلا من ذاته الحقيقية. في هذه اللحظة يظهر التضاد، تبدو المرأة هنا، وقد تحولت. ويبدو الرجل هنا، رافضا لهذا التحول. اللحظة الجنسية هي لحظة التصادم العارية، بين قيم الحداثة وقيم التقليد. بين السلوك الحداثي والسلوك التقليدي.
يجب اضاءة هذه الناحـــية، لانها في احســاسي وفي رأيــي سبب من اسباب العنف الدموي الذي نشـهده على امتــداد الوطــن.
لم ينتبه احد، الى ان هذا الاجتياح الاخلاقي الغربي، يخلق مقاومة و«العرض» هو شيء اساسي في حياتنا. أهم شيء عند العربي هو الشرف او العرض. إنارة هذه الناحية، ضرورية للدخول في الزمن الحاضر.
-ثمة وحدة خانقة للكاتب تتلطى خلف الكتابة اللاهية، وتوتر وقلق. هل هذا حالك واسطورتك الشخصية، وهل تدافع بالجنس والكتابة عنه عن وحدتك، وتعتمده كعامل جذب للقارئ؟
انتبهي، أنا لا اكتب عن نفسي. ولا اكتب عن شخص له صفة تمثيلية. بمعنى ان الشخصية الاولى في الرواية لا تختصر الرجل العربي، بل اكتب عن حالة خاصة فردية. لا اكثر ولا اقل. اكتب عن «حبيب» اسم الشخصية الاولى في الرواية، ولكنني ادعي ان هذا الرجل يشبه، او ان ملايين الرجال العرب يشبهون هذا الرجل. أكرر انني اكتب عن حالة فردية. «وفيك انطوى العالم الأكبر» ـ كما يقول الشاعر ـ . هذه سيرة ذاتية متخيلة، كأكثر كتبي. تتخيلين سيرتك الذاتية، لا تروينها.
تنتبه روايتك الى الفارق بين الاعمار للحبيبين. هل هذه رواية عن الزمن؟ رواية عن الموت في الحياة. اعني هذه الشاكلة من الحياة؟
لا شك انها رواية الشيخوخة. والشيخوخة ليست مفهوما مجردا. الشيخوخة هي العجز، المرض، هي غياب المستقبل، والنسيان وضعف الذاكرة الخ.
في هذه الرواية ثلاثة محاور اساسية اذا جاز التعبير. الشيخوخة وعلاقة الرجل بالمرأة والوضع في لبنان والعالم العربي. ثلاثة امور متداخلة: الشيخوخة كما هي معيشة في علاقة رجل في بداية الستينيات مع امرأة لم تبلغ بعد الاربعين في مجتمع هو لبنان، في حرب اهلية مستمرة.
علاقة هذا الرجل بهذه المـــرأة، جعـــلته يعيش شيخوخته، او بدايتها، بتوتر وبمزيد من الوعي المؤلم، ويزيد الوضـــع سوءاً حالة لبنان، التي تنعكس على نفسيته وعلى حلــمه، وعلى خططه للمستقبل. قطع الامل بإصـــلاح العــلاقة لانها هجرت لبنــان بعد حرب تموز، وعادت الى وظيفتها في مؤسـسة دوليـة.
علاقة الرجل بهذه السيدة، دفعته الى تعلّم الانكليزية في هذه السن، فانتبه لحظتها الى ان الذاكرة لم تعد صبية، مما جعل احساسه بالشيخوخة اكثر حدة. ثم هو يحاول تعلم الانكليزية في الوقت الذي يجيء خبر عن والدته انها بدأت تنسى كثيرا «تخرف». علما ان أمه تكبره فقط بستة عشر عاما.
السخرية
-بعيدا عن الرواية، حدثني عن نفسك كشخص لمحته كقارئة حزينا.
طبعا، كتبت هذه الرواية وكنت على مزاج حزين، بسبب الوضع في لبنان اساسا، وبسبب وضعي الشخصي ايضا، ويتداعى العالم من حولنا جميعا، اصدقاء واقارب قتلا وموتا طبيعيا، رائحة الموت في كل مكان. بالاضافة الى طوفان التزمت، كل هذا ينعكس في النفس حزنا يدّب في العظام.
-ولكنني، ورغم ذلك ضحكت كثيراً في بعض المواقع…!!
أكيد أكيد… فيها الكثير من السخرية. وضحكك كان رد فعل اغلب قراء الرواية حتى الآن. مثلا طريقة ممارسة هذا الرجل الستيني للجنس وهو قليل التجربة في هذا المجال، مما يجعل الحزن في الرواية خفيا في الغالب. طريقة تعلمه الانكليزية ايضا فيها تلك السخرية.
-تقنيات كتابتك كيف تعتمدها. دور اللغة في اعمالك؟
الاقتصاد في الكلام وفي وصف المشاعر والاحداث. اسلوب «مينيماليست» اذا جاز التعبير، بدون فائض او ثرثرة. احيانا استعمل اسلوبا مختلفا كما في «أهل الظل» مثلا. ولكن لا شك الموضوع هو الذي يفرض الموضوع. الاسلوب هو وجهة نظر. الاسلوب هو بمعنى ما هو جزء من رؤيتي للرواية. هو جزء من الحدث حتى.
-هل من حنين الى الشعر في بعض مواضع في روايتك؟
لا يوجد حنين الى الشعر. ولكن بما ان الشخصية هي شخصية كاتب، لذلك عنده رأي في النثر والشعر والرواية وما الى ذلك. رأيه في الموضوع (الشعر) قريب جدا من رأيي أنا رشيد الضعيف. بمعنى ان هناك نوعين من الأدب بشكل عام، ونوعين من الشعر، الأدب الجميل، والأدب «الصح». قصيدة نزار قباني التي تغنيها فيروز والتي يأتي ذكرها في الرواية، جميلة جدا. ولكن الكاتب يقترح، نوعا آخر من الغزل له صفة «الفعلي» مثل ان يشرب بكأس حبيبته من دون ان يغسلها.
-أنت ككاتب هل تعتقد بأن العلاقات الغرامية وإن لفترة تثري نتاج هذا الكاتب، ام تكون عبئا عليه وسؤالي نابع من جواب شخصيتك الرئيسية في الرواية حين استسلم لنهاية العلاقة بجملة وحيدة «أوكي مع السلامة». بالنسبة إليّ شخصيا، كل علاقة يمكن ان تغني ويمكن ان تفقر حسب طبيعتها. أنا احب حريتي، وأنا غيور جدا على وحدتي لانني انتج في وحدتي، وبوحدتي اقصد حــرية التصرف، حرية التردد، حرية تغيير الرأي، حرية البوح، حرية الصــمت، حرية البقاء والانتقال، حرية تغير المـزاج دون داع للتفــسير او للتبرير، حرية ان اكون دون رقيب او حسيب. وفي الوقت ذاته عندي ميل دائم الى المرأة ومقاسمتها كثيرا من الاشياء.
-هل تريد الانارة على مواقع ما في روايتك قد تخفى على القارئ؟
القارئ حر في قراءته. هذا امر لا نقاش فيه. الرواية ملك من يقرأها. ولكن، اتمنى ان يتمتع بعض قارئيها بشيء من الذكاء والثقافة.
-لمن تكتب، لمن تتوجه في كتابتك؟
اكتب للأجيال الجديدة واعتمد لها لغتها البسيطة والواضحة. لا اكتب لجيل الستينيات