الروائي اللبناني رشيد الضعيف يتوج بجائزة محمد زفزاف للرواية
تواصل جائزة محمد زفزاف للرواية منذ إحداثها في 2002، مسارها الفارق واللافت، باختيارها أسماء روائية عربية أضافت الكثير للمشهد الروائي العربي، من خلال مواضيعها المطروقة أو طرائقها التجريبية المنتصرة للحداثة في كل تجلياتها، وهي تجربة راهنت على تتويج مسارات ناضجة وحافلة بالتجارب، ولها بصماتها وتجذرها وسط القراء العرب.
هذه السنة سلم محمد بنعيسى رئيس مؤسسة منتدى أصيلة، أول أمس السبت 21 أكتوبر، وبحضور لجنة تحكيم الجائزة، جائزة الدورة الثامنة للروائي اللبناني رشيد الضعيف، باعتباره، كما جاء في كلمة الكاتبة اللبنانية كاتيا غصن، صوتا متميزا على الساحة العربية واللبنانية بصم من خلاله على مسار متعدد الأوجه، استمد عناصره من الرواية التاريخية فكان من كتاب رواية الحرب والسيرة الذاتية، في تجربة كتابية تعمد ألا يدخلها من باب السرديات الكبرى بل من نوافذ التفاصيل الصغرى التي تصنع القضايا الكبرى . وكل ذلك بلغة مصقولة ومنحوتة تبتعد عن البلاغة الرنانة والتحسينات، وتعتني بالتفاصيل كما جاء في كلمة الروائي التونسي شكري المبخوت، الذي اعتبر أن أهم ما يميز كتابات المحتفى به هو اعتناؤها بالتفاصيل اليومية، وبظلال الظواهر التي «جعلته يكتب بلغة متقشفة لكن فيها بلاغة جديدة».
بدوره توقف السيميائي والناقد المغربي سعيد بنكراد، عند خصيصة التفاصيل الصغيرة في كتابات الضعيف والذي استطاع من خلال صنعة روائية مكينة أن يكون» أكثر قدرة على استشراف ما يوده الناس في المعيش اليومي وفي الأحلام».
ينتمي رشيد الضعيف إلى تجربة في الكتابة الروائية يمكن اعتبارها الأكثر وفاء لفضائها وزمنها الحاضنين، ضمن مسار الرواية اللبنانية المعاصرة سواء باشتغاله على موضوعات الحرب الأهلية والمقاومة والغزو الإسرائيلي، أو بالنظر الى الحضور الكثيف للخلفية الثقافية التي تصدر عنها كتاباته، وانغراس مجمل شخصيات أعماله الروائية في تربة الطائفية الدينية بلبنان، التي تحاصر المجال السياسي والمدني بلبنان، وكذا بتداخل لغات الخاطب اليومي والصحافة والإعلام على ألسنة الرواة وفي فضاءات رواياته.
إن الانشغال السياسي والأدبي جعل كتابات رشيد الضعيف(لاشيء يفوق الوصف، المستبد، تقنيات البؤس، عودة الألماني الى رشده، الوجه الآخر للظل…)، تتأرجح بين هموم المثقف المنخرط في قضايا الصراع الطائفي والسياسي في الثمانينات بداية التسعينات ، كما أنضج، في كل متنه الإبداعي، شعرا ورواية، ذلك المزج الواعي والخفي، أحيانا، بين رواسب التراث ونداءات الحداثة، وهوما يستشف بدءا من عناوين أعماله المحتفية بالأمكنة ورمزيتها، وبالتاريخ كما يراه تعلة للتغلغل في مفارقات الحاضر.
يشار الى أن لجنة تحكيم الجائزة ترأسها الأكاديمي المغربي سعيد يقطين، وضمت في عضويتها أسماء من عالم الأدب والنقد: سعيد بنكراد، كاتيا غصن، محمد بن عيسى، حسن بحراوي، شكري المبخوت، حبيب عبد الرب سروري.
رشيد الضعيف: نحن أدوات لكائن بهيمي غامض وجبار اسمه التاريخ
في كلمته عقب تتويجه بجائزة محمد زفزاف للرواية، اعتبر الروائي رشيد الضعيف أن الرواية كما يراها «فن وصولي» يسعى من خلاله إلى توظيف الواقع أو الحقيقة لخدمة ما يكتبه وليس العكس، مشددا على أن الواقع يجب أن يكون في خدمة الرواية. وأضاف الضعيف أن الكذب في الفن هو تجاوز الواقع، وهو الخيال والحرية والتحرر من منطق هذا الواقع وسياقاته ومفاهيمه السائدة ، لنكتب بحرية. لحظتها فقط يمكن أن نتحرر من ثقل الموروث وتذهب كتاباتنا الى قلب الحقيقة، أي الى ما هو إنساني، حيث تتشابك الفنون بالعلوم لإنتاج المعرفة بما فيها معرفة الذات والعالم، ولإنتاج المعنى، وهو الأثر الذي يحلم الضعيف بتركه لما يأتون من بعده
الضعيف صرح، بما يشبه بوحا واعترافا، بالشرخ الذي يمكن أن تحدثه اللغة في تعاليها العالِم، أو في قربها من المتداول، داخل النص الروائي، لذا أقامت كتاباته الروائية بين لغتين: في الرواية الدنيا تكتب بلغة قريبة من التداول لكن لا ينصح بقراءتها في الحيز العام ولا تعتد بها الجموع مثل روايته «ّّألواح»، حيث يتعمد في هذا النوع الكشف عن مسلمات أساسية تحكم حياتنا ، وتسائل المبادئ والأخلاق والقوانين، ويروم من خلالها إعادة النظر في هذه المسلمات التي تحدد مفهومنا للعالم.
في مقابل هذه اللغة اليومية، يكتب الضعيف الرواية الفصحى لكن بلغة مشبعة بالإحالات الثقافية التراثية وبالموقف منها في نفس الآن، لغة قد تكون موضوعا للرواية أحيانا كما في كتاباته عن الحرب، حيث تجري اللغة كما تشاء ولا علاقة لها بالواقع، يتركها تقرأه على هواها لأننا كما يقول في المحصلة» أدوات لكائن بهيمي غامض وجبار اسمه التاريخ»، حيث اللغة أداة من أدواته.